"والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل
ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب (الرعد"21")"
وأول
ما أمر به الله أن يوصل هو صلة الرحم؛ أي: أن تصل ما يربطك بهم نسب.
والمؤمن
الحق إذا سلسل الأنساب؛ فسيدخل كل المؤمنين في صلة الرحم؛ لأن كل المؤمنين رحم
متداخل؛ فإذا كان لك عشرة من المؤمنين تصلهم بحكم الرحم؛ وكل مؤمن يصل عشرة مثلك،
انظر إلى تداخل الدوائر وانتظامها؛ ستجد أن كل المؤمنين يدخلون فيها. ولذلك نجد
الحق سبحانه يقول في الحديث القدسي:
"أنا
الرحمن؛ خلقت الرحم، واشتققت لها اسماً من اسمي؛ فمن وصلها وصلته؛ ومن قطعها
قطعته".
وقد
رويت من قبل قصة عن معاوية رضي الله عنه؛ فقد جاء حاجبه ليعلن له أن رجلاً بالباب
يقول: إنه أخوك يا أمير المؤمنين. ولابد أن حاجب معاوية كان يعلم أن معاوية بن أبي
سفيان لا إخوة له، لكنه لم يشأ أن يتدخل فيما يقوله الرجل؛ وقال معاوية لحاجبه:
ألا تعرف إخوتي؟ فقال الحاجب: هكذا يقول الرجل. فأذن معاوية للرجل بالدخول؛ وسأله:
أي إخوتي أنت؟ أجاب الرجل: أخوك في آدم. قال معاوية: رحم مقطوعة؛ والله لأكون أول
من يصلها.
والتقى
الفضيل بن عياض بجماعة لهم عنده حاجة؛ وقال لهم: من أين أنتم؟ قالوا: من خراسان.
قال: اتقوا الله، وكونوا من حيث شئتم.
وقد
أمرنا سبحانه أن نصل الأهل أولاً؛ ثم الأقارب؛ ثم الدوائر الأبعد فالأبعد؛ ثم
الجار، وكل ذلك لأنه سبحانه يريد الالتحام بين الخلق؛ ليستطرق النافع لغير النافع،
والقادر لغير القادر، فهناك جارك وقريبك الفقير إن وصلته وصلك الله. ولذلك يأمر
الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم ومن خلاله يأمر كل مؤمن برسالته: {قل لا
أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى .. "23"} (سورة الشورى)
وقال
بعض من سمعوا هذه الآية: قرباك أنت في قرباك. وقال البعض الآخر: لا، القربى تكون
في الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن القرآن قال في محمد صلى الله عليه وسلم: {النبي
أولى بالمؤمنين من أنفسهم "6"} (سورة الأحزاب)
وهكذا
تكون قرابة الرسول أولى لكل مؤمن من قرابته الخاصة. يستمر قول الحق سبحانه في وصف
أولي الألباب:
{ويخشون
ربهم ويخافون سوء الحساب "21"} (سورة الرعد)
والخشية
تكون من الذي يمكن أن يصيب بمكروه؛ ولذلك جعل الحق هنا الخشية منه سبحانه؛ أي:
أنهم يخافون الله مالكهم وخالقهم ومربيهم؛ خوف إجلال وتعظيم. وجعل سبحانه المخاف
من سوء العذاب؛ وأنت تقول: خفت زيداً، وتقول: خفت المرض، ففيه شيء تخافه؛ وشيء
يوقع عليك ما تخافه. وأولو الألباب يخافون سوء حساب الحق سبحانه لهم؛ فيدعهم هذا
الخوف على أن يصلوا ما أمر به سبحانه أن يوصل، وأن يبتعدوا عن أي شيء يغضبه. ونحن
نعلم أن سوء الحساب يكون بالمناقشة واستيفاء العبد لكل حقوقه؛ فسبحانه منزه عن ظلم
أحد، ولكن من يناقش الحساب فهو من يلقي العذاب؛ ونعوذ بالله من ذلك، فلا أحد بقادر
على أن يتحمل عذاب الحق له.
من تفسير
الشيخ محمد متولى الشعراوى
"فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ
فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال، رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ
عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ و َإِقَامِ الصَّلاةِ
وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ
وَالْأَبْصَارُِ (النور:37،36) "
كأن النور على النور يأتي من مطالع الهدى إلى
المساجد، فهي بيوت الله تقبل عليها ليفيض منها نور الحق على الخلق. و الإنسان
الصادق لا تلهيه تجارة عن ذكر الله، و ليكن الله على بال المؤمن دائما، فعندما
يكون الإنسان على ذكر الله فالله يعطيه من مدده. فأنت حين تذهب إلى المسجد لتلقى
الله، فذلك النور، و تصلى له فذلك النور، و تخرج من هذا النور بنور يهبط عليه في
بيته. و كل هذا نور على نور، فمن أن أراد أن يتعرض لهذا لنفحات نور الله عز وجل
فليكثر من الذهاب إلى بيت الله. و للمساجد مهابة النور لأنها مكان للصلاة، و نعلم
أن الصلاة هي الخلوة التي بين العبد و ربه، و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم
إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة. و أنت إذا ما اتبعت حضرة النبي صلى الله عليه و سلم
وتصلى ركعتين لله إن حزبك أمر، و عزت عليك مسألة و كانت فوق أسبابك، ثم ذهبت بها
إلى الله، فلن يخرجك الله إلا راضياً: ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ
وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ))
(النور:36) و
الغدو
و الآصال، هي أزمنة النهار، و أزمنة الليل. و لماذا أزمنة أول النهار، و أزمنة أول
الليل؟ لأن هذه الأزمنة هي التي يطلب فيها الذكر، فقبل أن تخرج للعمل في أول
النهار أنت تحتاج لشحنة من العزيمة تقابل بها العمل من أجل مطالب الحياة. و في
نهاية النهار، أنت تحتاج أن تركن إلى ربك ليزيح عنك متاعب هذا اليوم. لذلك إياك أن
تشغلك الحياة عن واهب الحياة، و لك أن تذكر ربنا و أنت تعيش مع كل عمل تؤديه و
تقوم به. و أن تقابل كل نتيجة للعمل بكلمة: الحمد لله. و عندما ترى شيء جميل من
الوهاب- سبحانه وتعالى- يجب عليك أن تقول: ( ما شاء الله) و عندما ترى أي شيء
يعجبك تقول: (سبحان الله) إن الحق سبحانه و تعالى يجزيك من فيض كرمه من ساعة تنوي
زيارته في بيته، فأنت في صلاة و ذكر منذ أن تبدأ في الوضوء في بيتك استعداداً
للصلاة في المسجد؛ لأنه سبحانه و تعالى يريد أن يطيل عليك نعمة أن تكون في حضرته.
و بيت الله مفتوح دائماً، فهو سبحانه يلقاك في أي وقت، و تدعوه بما تشاء و تطيل في
حضرته كما تريد.
من
كتاب شرح الأحاديث القدسية للشيخ محمد متولى الشعراوى
وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مّعْلُومٍ (سورة
الحجر 21)
يخبر
تعالى أنه مالك كل شيء وأن كل شيء سهل عليه يسير لديه, وأن عنده خزائن الأشياء من
جميع الصنوف {وما ننزله إلا بقدر معلوم} كما يشاء وكما يريد, ولما له في ذلك من
الحكمة البالغة والرحمة بعباده لا على جهة الوجوب بل هو كتب على نفسه الرحمة قال
يزيد بن أبي زياد عن أبي جحيفة عن عبد الله: ما من عام بأمطر من عام, ولكن الله
يقسمه بينهم حيث شاء عاماً ههنا وعاماً ههنا, ثم قرأ {وإن من شيء إلا عندنا
خزائنه} الاَية, رواه ابن جرير, وقال أيضاً: عن الحكم بن عتيبة في قوله: {وما
ننزله إلا بقدر معلوم} قال: ما عام بأكثر مطراً من عام ولا أقل, ولكنه يمطر قوم
ويحرم آخرون بما كان في البحر, قال: وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من
عدد ولد إبليس, وولد آدم يحصون كل قطرة حيث تقع وما تنبت. و عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خزائن الله الكلام, فإذا أراد شيئاً
قال له كن فكان» من تفسير بن كثير
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا وَصَلّ عَلَيْهِمْ إِنّ صَلَوَاتَكَ
سَكَنٌ لّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَمْ يَعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ هُوَ
يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصّدَقَاتِ وَأَنّ اللّهَ هُوَ
التّوّابُ الرّحِيمُ ( سورة التوبة )
أمر
تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم ويزكيهم بها وهذا
عام وإن أعاد بعضهم الضمير في أموالهم إلى الذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عملاً
صالحاً وآخر سيئاً, ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة
إلى الإمام لا يكون, وإنما كان هذا خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم, ولهذا
احتجوا بقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} الاَية,
وقد
رد عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد, أبو بكر الصديق وسائر الصحابة وقاتلوهم حتى
أدوا الزكاة إلى الخليفة كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى
قال الصديق: والله لو منعوني عناقاً ـ وفي رواية عقالاً ـ كانوا يؤدونه إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم لأقاتلنهم على منعه,
وقوله
{وصل عليهم} أي ادع لهم واستغفر لهم كما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن أبي
أوفى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بصدقة قوم صلى عليهم فأتاه أبي
بصدقته فقال: «اللهم صل على آل أبي أوفى» وفي الحديث الاَخر أن امرأة قالت: يا
رسول الله صل عليّ وعلى زوجي, فقال «صلى الله عليك وعلى زوجك»
وقوله:
{إن صلاتك سكن لهم} قرأ بعضهم صلواتك على الجمع وآخرون قرأوا إن صلاتك على الإفراد
{سكن لهم} قال ابن عباس: رحمة لهم, وقال قتادة وقار, وقوله: {والله سميع} أي
لدعائك {عليم} أي بمن يستحق ذلك منك ومن هو أهل له, قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع,
حدثنا أبو العميس عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة عن ابن حذيفة عن أبيه أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان إذا دعا لرجل أصابته وأصابت ولده وولد ولده,
قال
مسعر: وقد ذكره مرة عن حذيفة إن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لتدرك الرجل وولده
وولد ولده.
وقوله {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن
عباده ويأخذ الصدقات} هذا تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كل منهما يحط الذنوب
ويمحصها ويمحقها, وأخبر تعالى أن كل من تاب إليه تاب عليه, ومن تصدق بصدقة من كسب
حلال, فإن الله تعالى يتقبلها بيمينه فيربيها لصاحبها حتى تصير التمرة مثل أحد,
كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الثوري و وكيع كلاهما عن عباد بن منصور عن القاسم بن محمد,
أنه سمع أبا هريرة يقول: قال