رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه قيربيها لأحدكم كما
يربي أحدكم مهره, حتى أن اللقمة لتكون مثل أحد»
وتصديق
ذلك في كتاب الله عز وجل {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ
الصدقات} وقوله: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} و قال عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه, إن الصدقة تقع في يد الله عز وجل قبل أن تقع في يد السائل, ثم قرأ هذه
الاَية {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات}
من
تفسير بن كثير
"وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ
وَمَا تُوعَدُونَ
((22) سورة الداريات)"
وهي
لفتة عجيبة . فمع أن أسباب الرزق الظاهرة قائمة في الأرض , حيث يكد فيها الإنسان
ويجهد , وينتظر من ورائها الرزق والنصيب . فإن القرآن يرد بصر الإنسان ونفسه إلى
السماء . إلى الغيب . إلى الله . ليتطلع هناك إلى الرزق المقسوم والحظ المرسوم
. أما
الأرض وما فيها من أسباب الرزق الظاهرة , فهي آيات للموقنين . آيات ترد القلب إلى
الله ليتطلع إلى الرزق من فضله ; ويتخلص من أثقال الأرض وأوهاق الحرص , والأسباب
الظاهرة للرزق , فلا يدعها تحول بينه وبين التطلع إلى المصدر الأول الذي أنشأ هذه
الأسباب .
والقلب
المؤمن يدرك هذه اللفتة على حقيقتها ; ويفهمها على وضعها ; ويعرف أن المقصود بها
ليس هو إهمال الأرض وأسبابها . فهو مكلف بالخلافة فيها وتعميرها . إنما المقصود هو
ألا يعلق نفسه بها , وألا يغفل عن الله في عمارتها . ليعمل في الأرض وهو يتطلع إلى
السماء . وليأخذ بالأسباب وهو يستيقن أنها ليست هي التي ترزقه , فرزقه مقدر في
السماء , وما وعده الله لا بد أن يكون .
بذلك
ينطلق قلبه من إسار الأسباب الظاهرة في الأرض ; بل يرف بأجنحة من هذه الأسباب إلى
ملكوت السماوات . حين يرى في الأسباب آيات تدله على خالق الأسباب ويعيش موصولا
قلبه بالسماء , وقدماه ثابتتان على الأرض . فهكذا يريد الله لهذا الإنسان . هكذا
يريد الله لذلك المخلوق الذي جبله من الطين ونفخ فيه من روحه فإذا هو مفضل على
كثير من العالمين .
والإيمان
هو الوسيلة لتحقيق ذلك الوضع الذي يكون فيه الإنسان في أفضل حالاته . لأنه يكون
حينئذ في الحالة التي أنشأه الله لها . فطرة الله التي فطر الناس عليها . قبل أن
يتناولها الفساد والانحراف.
من
تفسير الإمام / سيد قطب
"ومن يتق الله يجعل له مخرجا"
قال الله تعالى ) ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا
يحتسب)الطلاق 2,3
هذا كلام الله تعالى الذي
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وليس قول
أحد من البشر، وهو سبحانه وتعالى
إذا قال فإن قوله الحق. هذه الآية العظيمة
جاءت على سياق شرطي فعل شرط وجواب شرط:
من يتق الله يكون جزاؤه أن يجعل الله له مخرجاً
وأيضاً يرزقه من حيث لا يعلم
ولا يحتسب. فمتى ما تحقق فعل الشرط وهو التقوى
تحقق جوابه وجزاؤه. ويا له من جزاء عظيم
ومكسب كبير ولكن كيف الطريق إلى التقوى أيها
الأخوة؟ بل ما هي التقوى أولاً؟ إنها
بعبارة مختصرة : كلمة جامعة لكل خير، هي امتثال
أوامر الله واجتناب نواهيه والوقوف
عند حدوده. لذا كانت التقوى هي وصية الله للأولين
والآخرين ووصية كل رسول لقومه إن
اتقوا الله لأن فيها السعادة في الدنيا والآخرة
وفيها النجاة والمخرج من الشدائد
والأزمات.
أوصى النبي صلى الله عليه
وسلم بها الصحابي الجليل أبا ذر رضي الله عنه
فقال له:" اتق الله حيثما كنت وأتبع
السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن".
والتقوى لا تتقيد بمكان ولازمان ولكن
المحك الحقيقي لها في الخلوات فالتقي هو من يصرف
بصره عن الحرام ولو لم يره أحد
والتقي من يتعفف عن أكل الحرام ولو لم يطلع عليه
أحد لأنه يعلم علم اليقين أن الله
يراه ولأن مراقبة الله وتقوى الله حاضرة في ذهنه
في كل حين . والتقوى موضعها القلب
يقول صلى الله عليه وسلم: التقوى هاهنا ويشير إلى
صدره" وتظهر آثارها على الجوارح
بعمل الطاعات واجتناب المحرمات
"قل إن كان آبائكم وأبنائكم
أحب إليكم من الله ورسوله"
يقول الله تعالى : " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال
اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد
في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين "
كلما
اقرأ هذه الآية أشعر بالخوف والرهبة من هذا الوعيد
الشديد. واسأل نفسي هل حبي لله ورسوله وللجهاد في سبيل الله أكبر من حبي لهؤلاء
الذين جاء ذكرهم في الآية : الآباء والأبناء والإخوان والزوجة والعشيرة ؟ أرد
وأقول نعم إنني أحب الله ورسوله وأحب الجهاد أكبر ولكن هل هذا هو فعلاً واقع الأمر
أم أنه مجرد إدعاء؟
هنا
تكمن المشكلة ويكمن الخطر الداهم الذي ربما يكون
سبباً في تحقق وعد الله فينا : فتربصوا حتى يأتي الله بأمره !
أيها
الأخوة ... كيف نحب الله تعالى ورسوله ؟ يقول العلماء
اعرف الله حتى تحبه . فكلما زادت معرفة العبد بربه زاد حبه له. وكلما فكر في
نعم الله عليه قوي حبه لربه لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها. وإذا أردنا أن
نعرف كيف يأتي حب الله في قلوبنا فلننظر كيف جاء حب الدنيا في قلوبنا. لقد تمكن حب
الدنيا من قلوبنا بسبب انشغالنا بذكرها آناء الله وأطراف النهار حتى
تعلقت قلوبنا بزخرفها وزينتها
ومباهجها فتمكن حبها من قلوبنا.... مجالسنا تدور الأحاديث فيها حول
الدنيا وطرق تحصيلها وأنواع متاعها والجديد من أخبارها وفي المقابل لا نذكر الله
إلا قليلاً ، كم من أوقاتنا أمضيناه مع كتاب الله وتدبر آياته وتدارس تفسيره
؟ وكم من الوقت أمضيناه في
استعراض سير الأنبياء والصالحين وحياة الزهاد والعباد من الصحابة
والتابعين ؟ وكم من الوقت أمضيناه في التفكر في نعيم الجنة وحياة القبر والآخرة
... قارن هذا بهذا تجد الجواب ساطعاً سطوع الشمس في رابعة النهار. فهل بعد هذا
نلوم أنفسنا لماذا تتعلق بالدنيا وتزهد في الآخرة وتؤثر متاعها الزائل على حب الله
ورسوله والدار الآخرة ؟ هل نلوم أنفسنا بعد ذلك لماذا لا تحب قيام الليل ولا
تشتاق إلى الجهاد ولا تحب الإنفاق في سبيل الله ولا قراءة القرآن ولا و لا ...من أعمال
الخير.
إنها الدنيا .. لا يجتمع حبها مع حب الآخرة في قلب
واحد لذا حذرنا منها الحبيب المصطفى صلى الله عليه
وسلم كثيرا ، من ذلك ما جاء عن
ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى
الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في
الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل. وكان ابن عمر
يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا
أصبحت فلا تتنظر المساء وخذ
من
صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك . رواه البخاري وقال عيسى
بن مريم عليه السلام: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها. وفي الترمذي عن سهل بن
سعد الساعدي قال: كنت مع الركب الذين وقفوا على السخلة الميته فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: أترون هذه هانت على أهلها حتى ألقوها قالوا: ومن هوانها ألقوها يا
رسول الله. قال فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها.
نأسى على الدنيا وما من معشر .............. جمعـتهم الدنيـا فلم يتفـرقوا
أين الأكاسـرة الجبابـرة الألى .............. كنزوا الكنوز فما بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بجيشه .............. حتى ثوى فحـواه
لحد ضيق
فالموت آت والنفـوس نفـائس ............... والمستغر بما
لديه الأحمـق
"فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة" النور63
يقول الله تعالى : "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً ، قد
يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً ، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن
تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم"
كم قرأنا هذه الآية في كتاب الله وكم سمعناها؟
ولكن هل وعيناها؟ وهل تنبهنا إلى ما فيها من تحذير ؟ نعم .. إنه تحذير شديد اللهجة
، مصدره ليس أحد من البشر ولا حتى نبي من الأنبياء بل هو صادر عن رب العالمين
تبارك وتعالى ، ومن ماذا يحذرنا ؟ إنه يحذرنا من مخالفة أمر نبيه محمد صلى الله
عليه وسلم. فللنظر كيف تعاملنا مع هذا التحذير الإلهي العظيم ! وكيف كان موقفنا
منه ؟ هل توقفنا عن مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وهل اتبعنا هديه في
كل ما جاء به ؟ فوقفنا عند حدود ما نهى عنه وامتثلنا بما أمر به ؟ وقبل
الجواب على هذا السؤال دعونا نجري
مقارنة بسيطة : تسير بسيارتك في الطريق فإذا بلوحة مكتوب عليها
تحذير : منعطف خطير ! فهل تستمر أم تهدئ من سرعتك حتى لا تقع في المنحدر ؟ مثال
آخر : تجد لوحة مكتوب عليها تحذير : خطر تيار عال ! فهل تقترب منه وتلمسه بيدك ؟! كلا إذن
ما بالنا أخي في الله نقرأ تحذير علام
الغيوب الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ومع ذلك نصم آذاننا ونغمض
عيوننا ونستمر في طريقنا غير آهبين بما حذرنا منه ؟ !! إن هذا لهو الجنون والتهور
والسفه ! أما من كان في رأسه ذرة من عقل فإنه بلا شك سيتوقف عند هذا التحذير بدل
المرة الواحدة ألفا من المرات.
كم من المخالفات لأوامر الرسول صلى الله عليه
وسلم في حياتنا اليوم ؟ .. أخي الكريم اسأل نفسك هذا السؤال وحاسبها قبل أن تحاسب
واعلم أن المولى تبارك وتعالى ما كان ليحذر من شئ إلا وفيه خطر علينا في دنيانا
وأخرانا .. يقول تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن
تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم، أي
تنزل بهم محنة عظيمة في الدنيا أو ينالهم
عذاب شديد في الآخرة. ولعل هذا المخالف يفتتن عند موته ساعة
الاحتضار ساعة التمحيص ساعة أن يتسلط عليه الشيطان فلا يصمد أمام هذه الفتنة فيموت
على غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فيختم له بشر فيخسر الخسران المبين ، وقد
لا يصمد إذا ما أفتتن في قبره وجاءه الملكان يسألانه من ربك ؟ ما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فينهار أمام هذه الفتنة
فلا يجيب ... أعاذنا الله وإياكم من فتنة المحيا والممات.
فلابد لكل عقل أن يتفقد نفسه وأن ينظر حوله
ويتفحص نهجه وطريقه هل هو موافق لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم أم أنه في وادٍ
وهدى خير العباد في وادٍ آخر ؟ الأمر جد خطير والنتيجة لا تظهر إلا في ساعة العسر
والشدة فلا يغتر عاقل باستقرار الأمور وهدوء الأحوال فالعبرة بالمآل ومتابعة الصراط
المستقيم ، المحجة البيضاء التي أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أنه
تركنا عليها وأنها بيضاء واضحة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
فتش أخي في الله عن أوامر المصطفي صلى الله
عليه وسلم في حياتك وانظر كم من المخالفات قد وقعت فيها : انظر في صلاتك ! وتذكر
قوله صلى الله عليه وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلى ، انظر في هيئتك ، لباسك ؟ كم
فيها من
المخالفات ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار . تفكر
في بصرك
: وانظر ماذا نهيت أن تنظر إليه من الحرام. تفكر
في سمعك : وانظر ماذا نهيت أن تستمع إليه
من الحرام. تفكر في لسانك: الغيبة النميمة قول الزور، وهكذا سائر أعمالك وتعاملاتك
من بيع وشراء وأخذ وعطاء وتعامل مع الأهل والأرحام والجيران والخدم والسائقين
وفي كل أحوالك .. تفكر في هذه الأمور وحاسب نفسك في ظل هذه الآية واعمل فيها
فكرك فما خلق الله لنا العقول إلا لنتفكر بها ونهتدي بها إلى الحق والصواب . نسأل
الله السلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار ونسأله أن يجعل أقوالنا
وأعمالنا موافقة لهدى المصطفى عليه الصلاة والسلام وأن يجعلنا على هديه سائرين
وبسنته متمسكين وعلى أثره مقتفين إنه سميع مجيب .