الحمد لله القائل : {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]
في مناخ مليء بالغيوم, والدخان المسموم تنطلق أبواق هدامة من نصارى مصر بعمليات التخريب التنصيري, مستغلة في ذلك ضعف النّظام الحالي وخوفه من أنظمة غربية معادية, فركبت موجة استعداء الغرب على المسلمين, فطارت تنشر التنصير وطالبت بحقوق تزيد عن حقوقها التي لا يحلم بها مسلم من أبناء مصر .
والملامس للواقع المصري يعلم يقينا أنّ نصارى مصر يتمتعون بحقوق لا يجدها المسلم, والدولة تحاول بشتّى الطرق شراء رضاهم خوفاً من الفتنة الطائفية ومن استعداءهم للغرب على مصر, ممّا يثبت يقينا أنّ أي شعار وطني يتبناه التنصيريون ما هو إلاّ غطاء لعملياتهم التي لا تستهدف إلاّ الجهال من أبناء المسلمن فقط, وهم يعلمون جيداً أنّهم لو حاولوا مع أي مسلم يعلم عن دينه ولو القليل لانقلب السحر على الساحر, ولأثبت لهم خواء عقائدهم المحرفة والتي أثبت القرآن أنّ المسيح عليه السلام برئ منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
{َإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ(116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(117)} [المائدة:116-117]
وأقل من عنده علم من المسلمين يعلم يقيناً أنّه لا دين على وجه الأرض يوقر المسيح عليه السلام مثل الإسلام {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران:45].
الإسلام الذي أثبت رفع عيسى إلى ربّه وخالقه في الوقت الذي أثبت النّصارى أنّ المسيح صلب وعذب وبصق في وجهه, إلى آخره..
وما وقر مريم دين مثل دين الإسلام {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[المائدة:75]
فوصف الصديقية لم يطلقه القرآن إلاّ على القليل من البشر, وكما كرم القرآن مريم كرّمها رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم بقوله: «ولم يكمل من النّساء إلاّ أربع خديجة وفاطمة بنت محمد وآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم ابنة عمران » .
والعجب كل العجب في إدعاء النّصارى الكاذب خاصة أهل المهجر منهم ومن يتّبعونهم من نصارى مصر بأنّ المسلمين هم الإحتلال العربي وأنّ النّصارى هم سكان البلاد الأصليين, وكأنّهم تغافلوا تماما أنّ الفتح الإسلامي لمصر صحبه دخول أقباط مصر في دين الله أفواجاً خاصة بعد تحررهم من الرومان الذين كانوا يسومونهم سوء العذاب, فأصبحت مصر إسلامية بفتح الإسلام ودخول أهلها فيه, بل لو تتبعنا أصول الكثير ممن يتمسحون في أصولهم القبطية لوجدنا أنّهم من أصول مهاجرة من أماكن أخرى, ولو سلمنا جدلاً بأنّ نصارى مصر كلهم أصولهم قبطية, فباقي مسلمي مصر من أصول قبطية دخلوا في الإسلام فتسموا بالمسلمين وهذا واقع واضح كالشمس لا ينكره إلاّ جاهل أو معاند وبالتالي فلم يبق من الأقباط إلاّ أقل القليل ارتضى بالبقاء على ملته الأصلية أمّا الباقي فهم مسلموا مصر بلا شك أو جدال .
الأهم ممّا سبق هو أنّ العقلاء من نصارى مصر ومعهم العقلاء من المسلمين يدركون أنّ هذه المماحكات التي تظهر بين وقت وآخر تحت مسمى التنصير أو المطالبة بالحقوق هي ذريعة فتنة طائفية لو قامت فلن تكون في مصلحة أحد ولو قامت رحى الفتنة لندم النصارى قبل المسلمين, ولخسر الجميع, وهذه الفتنة معاكسة تماما لتعاليم المسيح التي تركها من يتمسح فيه, كما أنّ رسول الإسلام خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي أوصى بأهل الذمة والمعاهدين خيراً , والله تعالى قال: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8].
ولست هنا بصدد شرح سعة السماحة في الإسلام ومدى تيسير الشريعة التي تدعوا النّاس للخروج من عبادة العباد إلى عبادة الواحد القهار والخروج من جور الأديان إلى عدالة الإسلام, ولست كذلك بصدد شرح الإنفصام النكد بين تصرفات المسلمين وأولياء أمورهم وبين الإسلام الحقيقي وأخلاقه وقواعده, وأن أخلاق المسلمين اليوم وتدنى أوضاعهم وبعدهم عن دينهم هو أكبر أسباب الإساءة إلى الإسلام الذي هو بالفعل بريء من هذه الأخلاق وهذا التدنى, ولست كذا بصدد الحديث عن اهتراء عقائد النّصارى المحرفة وبعدهم كل البعد عن عقيدة السيد المسيح عليه السلام الذي جاء مثل سابقيه من الرسل بعقيدة التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شائبة شرك دون شك أو ريب, فهذه مسلمات بديهية وبسطها لا يكفيه مقال.
وإنّما أوجه رسالة للمسلمين : " ارجعوا لدينكم وتعلموا إسلامكم حتى لا تتركوا فرصة لباغي فتنة أو انحراف ".
وأقول للمنصرين : " اتقوا فتنة لو قامت لن تذر وليست في مصلحة أحد, وراجعوا أمركم وراجعوا كتبكم وافتحوا كتب الإسلام وتعرفوا عقائد المسلمين فلا محالة ستجدوا ضالتكم المنشودة, فإن أبيتم إلاّ ما أنتم عليه فلكم قول الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64].